عالم آخر جريمة الطائفية في نجع حمادي-أحمد الخميسي/مصر
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
عالم آخر

عالم آخر
جريمة الطائفية في نجع حمادي

  د. أحمد الخميسي    

في وقت من الأوقات اشتهرت نجع حمادي - أسسها محمود باشا حمادي - بأنها أراضي تربية الأوز الذي ملأ جوها بصيحاته السلامية ، ثم عرفت عهد عبد الناصر بأكبر مصانع السكر والألمونيوم ، وشاعت مع دخان التطور والتنمية أغنية محمد عبد الوهاب العذبة " من زراعتنا تقوم صناعتنا والخير يبقى خيرين في إيدينا .. من مدافعنا من مصانعنا نحرس حرية أراضينا " ، ثم توارى الوطن منسحبا من أيادي أبنائه ، مخليا الساحة للصراع الاجتماعي والثقافي الذي اتخذ مظاهر عديدة منها الطائفية بعد حادثة الخانكة عام 1972 . وأصبحت غنوة العصر هي " أدلع وأطبطب " ، حتى شهدنا جريمة  6 يناير عشية عيد الميلاد المجيد ، حين قام المجرمون بفتح النيران على أخوتنا الأقباط ليلة احتفالهم بالعيد . أتخيل ستة من أخوتنا الأقباط يخرجون مبتهجين من كنيستهم ويضعون خططا لقضاء العيد مع أطفالهم وأقاربهم ، وبينما هم يهنئون بعضهم البعض أمام باب الكنيسة إذا بالرصاص يخترق صدورهم لمجرد أنهم يؤمنون بأن " الله محبة " بينما يؤمن آخرون بأن الله" رحمن رحيم"! لقد استنكر معظم المسئولون وشيوخ  الدين الجريمة ، ووصفها البعض بأنها " عمل إجرامي " ، لكن ذلك الوصف يشبه أن ترى رجلا مقتولا في الطريق فتهتف " إنه رجل مقتول" ! ولا شيء أكثر من ذلك! فالاكتفاء بإدانة ما جري لن يقدم ولن يؤخر ولن يمنع تكرار تلك الجرائم . الأمر يحتاج إلي اجراءات تمس التربية منذ الصغر ، في المدارس ثم المعاهد ، يحتاج إلي مناهج تعليم جديدة ، وحصة دين مشتركة للمسلمين والأقباط تستلهم ما هو مشترك في الديانتين لتلقينه للأولاد . فالإسلام والمسيحية ضد الكذب والقتل والزنا والعدوان وغير ذلك من قيم روحية كثيرة مشتركة يمكن تدريسها في عمومها لخلق وجدان مشترك . والأمر بحاجة لإجراءات دستورية تنزع من البطاقات تعريف المواطن حسب ديانته وليس حسب قوميته كمصري ، وبحاجة للكف عن تقييد بناء الكنائس ، وبحاجة لإفساح المجال أوسع ما يكون في الإعلام وخاصة التلفزيون ببرامج توطد  فكرة المواطنة ، وتنشر التاريخ المشترك الذي صاغه الأقباط والمسملون وصنعوا به مصر في الحروب وفي الثقافة وفي العلوم . والأمر بحاجة إلي وقفة ويقظة من رجال الدين المسلمين ليردوا بكثافة واستمرارية على دعاوى الجهل والتعصب الأسود التي ينشرها البعض ويكسبها ثوب الفقه ، كما فعل الشيخ القرضاوي حين اعتبر أن " " الاحتفال بالكريسماس " حرام " وحين قال : " لماذا تظهر الاحتفال بدين غير دينك ؟ " ، فلم يجد من يرد عليه بأن الأديان كلها نزلت من السماء ، كما أننا نحتفل وسنحتفل بكل ما يفرح أخوتنا في الوطن . كم غضبنا نحن المسلمين حين منعت سويسرا بناء المآذن في الجوامع ، وكم غضبنا حين قتلت مروى الشربيني بيد متعصب في ألمانيا ، وكم غضبنا حين اقتحم يهودي المسجد الأقصى وأطلق النار على المصلين ، لكن غضبنا يتحول إلي تمتمات واستنكار متعقل حين يقتل ستة مواطنين عند مدخل كنيستهم عشية عيدهم ودون أي ذنب ! الاستنكار الوحيد الحقيقي لجريمة نجع حمادي  يكون بإجراءات محددة ملموسة ، بالبدء في بث برامج جديدة في التلفزيون لأوقات كافية تحدثنا عن تاريخنا المشترك وعن بطولات الأقباط في الدفاع عن مصر جنبا إلي جنب مع أخوتهم المسلمين . الاستنكار الوحيد الحقيقي يكون بتغيير أوضاع الأقباط وعدم التضييق عليهم بمختلف التشريعات ، الاستنكار الوحيد الحقيقي يكون بتشكيل لجنة من مثقفي الأمة – وليس من وزارة التربية- لوضع مناهج تعليمية جديدة . أقول هذا لأن مرتكبي الجريمة الذين تم القبض عليهم ثلاثة أفراد ، لكن أولئك الثلاثة هم فقط من نفذ الجريمة أما مرتكبها  الحقيقي فهو المناخ العام المشبع بالجهل ، والتخلف ، وإهمال التصنيع ، وتدهور مستوى المعيشة ، وغير ذلك . وليس ما جرى" حادثة فردية " لأن الحادثة حين تتكرر بأشكال مختلفة تصبح قانونا ، ولم يكن ماجرى أيضا نتيجة " جهل أعمى " لفرد أو عدة أفراد ، بل نتيجة الجهل الأعمى الذي يشكل الآن " الوعى العام " . لقد طمس المجرمون الفرحة في عبارات التهنئة التي كنا نتقدم بها لأخوتنا الأقباط بمناسبة عيدهم ، وأخلوا الساحة فقط للأسف والقلق والشعور بالذنب .  



  Ahmad_alkhamisi@yahoo.com
  أحمد الخميسي/مصر (2010-01-14)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

عالم آخر
جريمة الطائفية في نجع حمادي-أحمد الخميسي/مصر

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia